بسم الله الرحمن الرحيم
(أ) الفصل الثالث : النبوات , وفيه
مبحثان : الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام , الوحي والرسالات .
(ب) الفصل الرابع :
الـسمعيات , وفيه ثلاثة مباحث : اليوم الآخر
, الـملائكة , الجن .
* ونبدأ بحول الله تعالى
وقوّته :
الفصل الثالث : النبوات :
الـمبحث الأول : الأنبياء
والرسل عليهم الصلاة والسلام :
* أولاً : مصطلحا النبي
والرسول في القرآن :
·
ليس في الـقران تفريق صريح بين
الـمصطلحين , وهي مسألة خلافية بين العلماء .
·
لكن من الـممكن ذكر الـفارق
اللغوي الـواضح :
-
"فالـنبي" مشتق من الـنبأ وهو
الـخبر , وعليه فالنبي هو الذي يأتيه الـخبر من الـسمـاء ( الوحي ) .
-
"والرسول" هو الـمبعوث برسالة ,
وعليه فالرسول هو الـمكلَّف بحمل الرسالة الـسماوية ( الوحي ) إلى الناس .
·
ونلمِّح لهذا الفرق في
الاستخدام القرآني لهذين الـمصطلحين :
- فنجد القرآن يستعمل مصطلح " النبي " في الخطاب الـموجه
من الله لنبيه , كقوله تعالى : {يا أيها النبي جاهد الكفار والـمنافقين} .
-
ونجد القرآن يستخدم مصطلح " الرسول " بمعنى اللغوي بمثل : {كذبت قوم نوح
الـمرسلين} , { كذبت ثمود الـمرسلين} .
*
ولأن الرسول يكلف بحمل الرسالة من الـسماء : فهو نبي من وجه , رسول من وجه , لأنه
نبي من الله , ورسوله إلى الناس , ولهذا يجمع الله تعالى الصفتين في شخص واحد :
-
كقوله تعالى لنبيه × : { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً } .
*
ثانياً : أهمية الإيمان بالأنبياء :
-
منحها القرآن أهمية كبيرة تتناسب مع عظمتها .
-
فحينما تحدثنا عن التوحيد , فهمنا أنه لا يتم إلا بإفراد الله بالعبادة .
-
والعبادة هي امتثال الأوامر والنواهي , فمن أين يتعرف الإنسان على الأوامر
والنواهي؟
-
لا طريق للتلقي من الله إلا بواسطة الرسل عليهم الصلاة والسلام .
-
وعلى هذا فمن لا يؤمن بالرسل لا يكون موحداً لله تعالى .
*
ولهذا اهتم القرآن بهذه القضية , كما في النماذج التالية [ مظاهر اهتمام القرآن
بقضية الإيمان بالأنبياء ] :
أ-
كثرة النصوص المفصلة والمبينة والمؤكدة لهذه القضية .
ب-
اقتران الإيمان بهم بالإيمان بالله , كقوله تعالى : {والذين ءامنوا بالله ورسله
أولئك هم الصديقون} , وفي النبوة الخاصة : {فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي}
ج-
التحذير من تكذيبهم , وتخويف المكذبين بما لاقى أسلافهم : {كذبت قبلهم قوم نوح
وعاد وفرعون ذو الأوتاد * وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب * إن كل إلا
كذب الرسل فحق عقاب * وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق } .
·
ثالثاً : وظيفة الرسل عليهم
الصلاة والسلام :
·
أكد القرآن أن وظيفتهم التبليغ
( تبليغ شريعة الله لخلق الله ) : {وما على الرسول إلا البلاغ الـمبين} .
-
وقد يأتي التبليغ بلفظ الدعوة
والتبيين والهدى : {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} .
-
وقد يأتي بلفظ الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ؛ لزيادة مقصودة في معنى التبليغ : {الذين يتبعون الرسول النبي
الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن
المنكر} .
-
وقد يقترن التبليغ بالوعد أو
الوعيد , فيكون تبشيراً أو نذيراً : {إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً} .
-
والتبليغ قد يحتاج إلى جهاد
بالـمال والنفس : {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين} .
-
والتبليغ قد خاصاً لقوم مخصوصين : {كذبت قوم نوح الـمرسلين * إذ
قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون * إني لكم رسول أمين} .
-
والتبليغ قد يكون عاماً لكافة
الخلق : {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالَمين} .
·
حقيقة مهمة : وظيفة الرسل
يتحملها الـمؤمنون من بعدهم ؛ لأن عمر الرسول محدود , ولا تتم الفائدة إلا بوجود
ورثة للرسول يحملون بعده هذه الأمانة , وإلا تطلب الأمر وجود الرسل أبداً أو يضيع
الأمر والنهي .
-
ولهذا خاطب الله تعالى الأمة
بمـا خطاب به نبيها : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون
عن المنكر } .
-
وهذه الحقيقة هي التي دفعت
الصحابة إلى مواصلة الـمسير , مبلغين دعوة الله .
·
رابعاً : صفاتهم عليهم الصلاة
والسلام :
·
تحدث القرآن بإسهاب عن صفات الأنبياء
, ولم يخرج عن منهجه الـمعروف , حيث لا يحدثنا إلا عما نحتاجه في وظيفتنا .
·
ومن تلك الصفات :
1-
الأمانة والصدق في التبليغ :
{وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحَى} .
2-
الخلق الكريم : {وإنك لعلى خلق
عظيم} .
·
وهنا تفصيل لمعان مهمة في
الأخلاق :
أ-
التجرد لله تعالى في الدعوة :
كقول نوح : {وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين} .
ب-
الصدق :{واذكر في الكتاب إدريس
إنه كان صديقاً نبياً} .
ت-
الأمانة : كقول نوح :{إني لكم
رسول أمين} .
ث-
العفاف والطهر : فعن إبراهيم :
{إن إبراهيم لأواه حليم} .
ج-
اللين والتواضع : {فبـمـا رحمة
من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} .
ح-
الشجاعة : {محمد رسول الله
والذين معه أشداء على الكفار} .
3-
الفطانة والحكمة وقوة الحجة :
أ-
الإخبارعنهم بهذه الصفات صراحة
: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} .
ب-
عرض هذه الصفات من خلال الحوار
والـمجادلة : {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الـمُلك} الآية .
ت-
أن يعرضها القرآن من خلال بعض
الـمواقف الذكية : كما في الآيات التي عن إبراهيم : {وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن
تولوا مدبرين} الآيات . وفي الآيات عن يوسف : {ولـمـا دخلوا على يوسف آوى إليه
أخاه} الآيات .
4-
صفاتهم البشرية :
·
أكد القرآن هذه الصفات لحماية
جانب التوحيد , حيث أن هذه الصفات تعين على الثبات في الموقف الصحيح , ولا نستطيع
حصرها لكن نتلمسها في الأمثلة التالية :
أ-
التأكيد أنهم بشر من خلق الله
: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي} .
ب-
التأكيد على أنهم عباد الله :
{سبحان الذي أسرى بعبده} .
ت-
أنهم لا يملكون من أمر الله
شيئاً , ولا ينفعون ولا يضرون : {ليس لك من الأمر شيء} .
ث-
ذكر عوارضهم البشرية كالمرض
والجوع والتعب:كقوله تعالى عن محمد × : {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بمـا يقولون} .
ج-
ذكر زلات وأخطاء , وقع بها
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام : كقوله تعالى عن محمد × : {يا أيها النبي لم تحرم
ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم} .
·
حاول العلماء أن يؤولوا هذه
النصوص ؛ ليوفقوا بينها وبين مبدأ عصمة الأنبياء .
·
ولكن القرآن سجلها دو ذكر
مبرراتها .
·
والسلف لم يفهموا منها ما
يحتاج إلى تأويل أو تبرير , بدليل أنه لم يأت واحد منهم يسأل يا رسول الله كيف أنت
معصوم والقرآن يقول عنك {ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر}؟
-
فالقرآن لم يجد هنا مشكلة
تحتاج إلى علاج , فالأمر واضح بين :
-
الله أرسل الرسل لمهمة تبليغ
الرسالة .
-
والرسالة تعهد الله بإيصالها
للناس سليمة كاملة .
-
فهذه الزلات لا علاقة لها
بالرسالة , ولا بوظيفتهم الأساسية .
-
نعم إن التأسي بهم ثمرة
الإيمان بهم : {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} .
-
ولكن هذا الاقتداء لا يبقى على
إطلاقه بعد تبيين الله تعالى للزلة والخطأ .
-
فرسول الله × نقتدي به في كل
شيء .
-
لكن لا نعبس بوجه الأعمى ؛
لأنه تعالى لم يقر الرسول × على هذا التصرف , بل عاته عليه
-
والأصل فيما لم يعاتب عليه
الرسول أن نقتدي به , فليست هنا مشكلة حقيقية , لا سيما بعد أن بين الله صفاتهم
الأولى , التي تثبت مع هذه الزلات أنهم الصفوة .
-
أما هذه الزلات فلا تيؤثر على
وظيفتهم , ولا مكانتهم القيادة , ولا تنفر الناس عنهم .
-
لقوله تعالى : {ولو كنت فظاً
غليظ القلب لانفضوا من حولك} .
-
فالنبي × لا يمكن أن يتركب ما
ينفر الناس عنه , كالكذب والخيانة والفواحش .
-
فإذا سلم النبي × من كل هذا ,
فهذه الزلات الطفيفة لا تحتاج لأي تأويل .
-
مع أن الذي يريد أن يبرر ويؤول
, فإن له متسعاً و لكن ما الحاجة إليه ؟! والله أعلم .
·
خامساً : أسماؤهم في القرآن :
·
لم يذكر القرآن أسماء الأنبياء
والـمرسلين جميعاً , بل قال : {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك
ومنهم من لم نقصص عليك} .
·
والذين قص علينا أخبارهم :
منهم من صرح بنبوتهم أو رسالتهم , ومنهم من لم يصرح , وإنما استُفيد من إشارات
أخرى هي محل نزاع بين العلماء .
·
فمما صرح القرآن بنبوتهم أو
رسالتهم ( 21 ) :
-
نوح عليه الصلاة والسلام :
{إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه} .
-
وإبراهيم عليه الصلاة والسلام
: {واذكر في الكتاب إبراهيم} .
-
نبينا محمد × : {محمد رسول
الله} .
·
بقيت ثلاث مسائل , متعلقة
بأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام :
·
الـمسألة الأولى :
·
مسألة ( الأسباط ) الذين أكد
القرآن نبوتهم , فقال : {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم
وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} .
·
ولكن القرآن لم يبين من هم
الأسباط وكم عددهم ؟
·
ولا شك إن لهذا حكمة , إذ لو
علم الله أن في إخبار ذلك نفعاً لقصها علينا , ولكن الله أعلم وأحكم .
·
الـمسألة الـثانية :
·
أربع أنبياء ذكرهم القرآن ,
ولم يصرح بنبوتهم أو رسالتهم , وهم آدم وذو الكفل واليسع وزكريا :